كيف يؤثر “وضع الجلوس” على تخفيف القلق العام؟

قد يبدو أمرًا بسيطًا… مجرد “كيف تجلس”.
لكن خلف هذه الحركة اليومية، يختبئ سرّ صغير يمكنه أن يخفّف عنك وطأة القلق بشكل غير متوقّع.
في عالم نركض فيه خلف الحلول المعقدة لتقليل التوتر، قد يكون الجواب أقرب مما نتخيل: في طريقة جلوسنا.


الجسد يتكلم… والعقل يسمع

عند الحديث عن القلق، فإن أول ما يخطر في البال هو العقل، الأفكار، والتحليل الزائد.
لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن الجسد لا يتبع العقل فقط… بل يؤثر فيه أيضًا.
هذا ما يُعرف في علم النفس العصبي باسم: التغذية الراجعة الجسدية (Postural Feedback).

بمعنى آخر: كيفما جلست، هكذا ستشعر.


القلق يُغيّر جلستك… لكن يمكنك عكس المعادلة

عندما يشعر الإنسان بالقلق، يتخذ جسده وضعيات معينة بشكل لا إرادي:

  • الأكتاف مرفوعة.

  • الظهر محني.

  • القدمين متشابكتين أو مهتزتين.

  • الذراعين مطويتين على الصدر.

  • النظرة للأسفل.

هذه الوضعيات ترسل إشارات إلى الدماغ تقول: “أنا في خطر”، فتزيد من إفراز الكورتيزول وتُعمّق حالة القلق.
لكن، ماذا لو استخدمنا وضعية الجلوس بشكل عكسي لتغيير ما يشعر به الدماغ؟


كيف تساعد وضعية الجلوس في تقليل القلق؟

1. الجلوس بوضعية مفتوحة (Open Posture)

  • اجلس وظهرك مستقيم.

  • باعد بين قدميك قليلًا.

  • اجعل يديك مسترخيتين على الفخذين أو الطاولة.

  • افتح صدرك برفع الأكتاف للخلف قليلًا.

🧠 الفائدة:
هذه الوضعية ترسل إشارة إلى الدماغ أنك في موقع قوة وسيطرة، مما يُخفّض مستويات التوتر.


2. الجلوس بوعي مع التركيز على التنفس

  • اجلس على حافة الكرسي.

  • اجعل ظهرك مستقيمًا لكن غير متشنّج.

  • ضع يديك على ركبتيك، وكأنك في وضعية تأمل بسيطة.

🧘‍♂️ الفائدة:
يساعد على تناغم الجهاز العصبي، ويزيد من نشاط العصب المبهم (Vagus Nerve) المسؤول عن تهدئة الجسد بعد التوتر.


3. الوضعية المائلة قليلاً إلى الأمام (Forward Lean)

  • تميل قليلًا نحو الشخص الذي تتحدث معه.

  • تجنّب التقوقع على نفسك.

🤝 الفائدة:
تعزز الانخراط والتواصل الاجتماعي، وهو أحد مضادات القلق الطبيعية.


دراسات تدعم هذا التأثير

  • جامعة أوكلاند أجرت دراسة على طلاب يعانون من القلق، وأظهرت أن من جلسوا بوضعية مستقيمة أدّوا مهامهم بثقة أكبر وشعروا بقلق أقل مقارنة بالآخرين.

  • دراسة أخرى نُشرت في Health Psychology وجدت أن الأشخاص الذين جلسوا باستقامة كانوا أكثر قدرة على مواجهة التوتر واسترجاع مشاعر إيجابية.


نصائح عملية لتقليل القلق من خلال وضعية الجلوس

  • عند شعورك بالقلق، لاحظ وضعية جسدك. هل هي منكمشة؟ مغلقة؟ صحّحها فورًا.

  • استخدم الكرسي كأداة تهدئة: اجلس بثبات، ازرع قدميك على الأرض، وافتح صدرك.

  • مارس تمارين “الجلوس الواعي” لمدة دقيقتين يوميًا: اجلس بتركيز تام على جسدك، تنفس، ولا تفكر بشيء.


واخيرا :

القلق ليس فقط حالة عقلية، بل تجربة جسدية متكاملة.
وأحيانًا، لا نحتاج إلى كلمات مطمئنة أو حلول معقدة، بل إلى أن نغيّر طريقة جلوسنا فقط.

فالوضعية القوية، المريحة، والمتزنة ليست فقط علامة على الثقة، بل رسالة عصبية تقول للعقل:
“أنا بخير… لا داعي للقلق الآن.”

Leave a reply