
رشّة عطر… نافذة على الذكريات ودواء للقلق العام
في لحظة عابرة، قد تقودك نفحة عطر إلى ذاكرة كنت تظن أنك نسيتها. رائحة عطر قديم، مررتَ بجانبها فجأة، فتذكّرت بيت الطفولة، حضن أمك، أو ربما لحظة حب لم تكتمل. ليس هذا سحرًا، بل علم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بكيمياء الدماغ والعاطفة. في هذا المقال، نستعرض كيف يمكن لرشّ العطر أن يستدعي الذكريات، ويلعب دورًا غير متوقّع في تهدئة القلق العام.
العلاقة بين الشمّ والذاكرة: لماذا العطر مختلف؟
يُعدّ حاسّة الشمّ من أكثر الحواس ارتباطًا بالذاكرة والعاطفة، والسبب يعود إلى البنية التشريحية للدماغ. حينما تستنشق رائحة، تنتقل الجزيئات العطرية مباشرة إلى الجهاز الشمي، الذي يرتبط بشكل مباشر بـ الجهاز الحوفي (Limbic System)، وهو الجزء المسؤول عن الذكريات والمشاعر، خاصة الـ”أميغدالا” (Amygdala) وقرن آمون (Hippocampus).
بخلاف الحواس الأخرى التي تمر أولًا بالقشرة الدماغية لتحليل المعلومات، تنتقل الروائح مباشرة إلى مركز العاطفة والذاكرة. لهذا السبب، قد تؤدي رائحة واحدة إلى استدعاء لحظة مرّت منذ سنوات طويلة، بكل تفاصيلها، مشاعرها، وألوانها.
العطر كأداة لتهدئة القلق
لكن، ما علاقة هذا بالقلق؟
القلق العام (Generalized Anxiety) هو حالة مستمرة من التوتر والقلق غير المبرّر، تصيب الإنسان في مواقف الحياة اليومية. الدراسات النفسية الحديثة أظهرت أن بعض الروائح قد تلعب دورًا فعّالًا في تقليل هذا التوتر، خصوصًا عندما ترتبط بذكريات مطمئنة أو لحظات مريحة.
تخيل مثلًا أنك كنت تستعمل عطرًا معينًا خلال فترة هادئة من حياتك — ربما في سفر، أو أثناء دراسة ناجحة، أو في حضن شخص ترتاح له — مجرد استنشاقك لهذا العطر لاحقًا يمكن أن يفعّل تلك الذكرى الإيجابية، ويُشعر عقلك بالأمان.
هذا ما يُعرف في علم النفس بـ “الارتباط الشرطي العاطفي”. العطر يصبح محفّزًا لا شعوريًا للراحة، فيرسل إشارات إلى الجسم ليهدأ، فتبطؤ ضربات القلب، ويخف التوتر.
كيف تستفيد من العطر في حياتك اليومية؟
-
اختر عطرك بعناية: اختر روائح ترتبط بلحظات سعيدة، أو استخدم عطرًا جديدًا خلال فترات إيجابية من حياتك، ليصبح مرتبطًا بالسلام الداخلي.
-
استخدمه بانتظام في مواقف مريحة: مثل التأمل، أو القراءة، أو ما قبل النوم.
-
أعد استخدامه عند القلق: رشّ العطر المرتبط بتلك اللحظات قد يكون كزرّ “إعادة تشغيل” نفسي.
ختامًا
العطر ليس مجرد رفاهية أو تفصيل جمالي، بل هو بوابة حسّية للذكريات والمشاعر. وبينما نحاول محاربة القلق بأدوية وأدوات كثيرة، قد نجد في زجاجة عطر صغيرة وسيلة فعّالة لتهدئة عاصفة داخلية. ليست كل العلاجات معقدة… أحيانًا، “رشة واحدة” تكفي
Leave a reply