دور تقبّل الأعراض في اضطراب القلق العام وكيف يساهم في التخفيف منه

ما هو اضطراب القلق العام؟ – تعريف فريد من نوعه

اضطراب القلق العام ليس مجرد خوف عابر أو توتر لحظي، بل هو حالة عقلية ونفسية يعيش فيها الإنسان في حالة تأهّب دائم، كأنه يحمل مظلّة في يوم مشمس، تحسّبًا لعاصفة قد لا تأتي. هو صوت داخلي لا يتوقف عن طرح أسئلة “ماذا لو؟” ويضع الشخص في محاكمة يومية مع سيناريوهات لم تحدث بعد. الفرق بين القلق الطبيعي والقلق العام، هو أن الأول يحفّزنا أحيانًا، أما الثاني، فيستنزفنا بلا موعد أو مبرر واضح.


ما المقصود بتقبّل الأعراض؟

تقبّل الأعراض لا يعني الاستسلام لها أو تجاهلها، بل يشير إلى موقف نفسي وعقلي يقوم على الاعتراف بوجود المشاعر السلبية، والانزعاج، والتوتر الداخلي، دون محاولات قهرها أو مقاومتها. هو أشبه بالقول للنفس: “نعم، أنا أشعر بالقلق الآن، وهذا طبيعي، وسيمر.”

لماذا يُعدّ التقبّل خطوة علاجية فعالة؟

المشكلة الأساسية في القلق ليست القلق نفسه، بل الخوف من القلق. كثير من الناس عندما يشعرون بالأعراض الجسدية (كخفقان القلب، ضيق التنفس، أو دوار)، أو النفسية (مثل التوجس أو التشاؤم)، يبدأون في محاربتها أو الهروب منها. هذه المقاومة، وإن بدت منطقية، تزيد الطين بلّة. إذ أنها تغذي القلق وتُعطيه رسالة ضمنية مفادها: “ما تشعر به خطر، ويجب التخلص منه بأي وسيلة!”

أما حين يختار الشخص تقبّل تلك الأعراض، فإنه يوقف هذه الدائرة المفرغة. القلق يفقد سلطته شيئًا فشيئًا، لأنه لم يعد يُقابل بالخوف، بل بالفهم والهدوء.

دور التقبّل في التهدئة العصبية

عندما يتقبل الشخص ما يمر به من أعراض دون أن يحكم عليها، فإنه يخلق حالة من الأمان الداخلي. الجهاز العصبي، الذي كان يعيش في حالة “استنفار”، يبدأ في الانتقال نحو حالة “الاسترخاء”. الدماغ يستشعر أن التهديد انتهى، فلا حاجة لمزيد من هرمونات التوتر. وهنا يبدأ التوازن يعود.

تقنيات تساعد على تنمية التقبّل

  1. اليقظة الذهنية (Mindfulness): من أقوى الأدوات التي تُدرّب العقل على الملاحظة دون حكم. يكفي أن يجلس الإنسان بضع دقائق يوميًا يراقب أنفاسه أو أفكاره دون تدخل.

  2. التدوين الواعي: كتابة ما يشعر به الشخص، دون محاولة لتحليل أو إصلاح ما كتب، تساعده على التفريغ والتقبّل معًا.

  3. تغيير الحديث الداخلي: بدلاً من قول “لازم أوقف هذا القلق!”، يمكن قول: “أنا ألاحظ أنني قلق الآن، وهذا لا بأس به.”

الخلاصة :

القلق العام ليس علامة على الضعف، بل هو استجابة ذكية من الجسم لعالم مليء بالتحديات. لكن عندما يصبح مزمنًا، فإن علاجه لا يكون دائمًا في القتال والمقاومة، بل في الاحتضان والتقبّل. الأعراض التي نقبلها، لا تعود تؤذينا، بل تتحوّل إلى رسائل ناضجة تحتاج فقط لمن يصغي إليها.

فلنمنح أنفسنا إذن، فسحة من الرحمة، ونتعلّم أن نكون أصدقاء لأعراضنا، لا خصومًا لها

Leave a reply