تخفيف من القلق العام عن طريق الانشغال

القلق العام: كيف يمكن لإشغال الوقت أن يكون علاجًا صامتًا؟

في عالم يموج بالتقلبات والضغوطات اليومية، لم يعد القلق العام حالة نادرة أو ظرفًا عابرًا، بل أصبح ضيفًا ثقيل الظل يلازم الكثيرين دون استئذان. تتسارع دقات القلب، تتسرب الأفكار السلبية إلى الذهن، وتتملك النفس حالة من التوتر الدائم، حتى في غياب سبب مباشر. لكن، في خضم هذا الاضطراب الداخلي، يُمكن لحيلة بسيطة أن تفتح نافذةً نحو الطمأنينة: إشغال الوقت.

ما هو القلق العام؟

القلق العام (GAD – Generalized Anxiety Disorder) هو اضطراب نفسي يتسم بشعور دائم وغير مبرر بالقلق والخوف، ويصاحبه توتر عضلي، أرق، وصعوبة في التركيز. ولا يتعلق هذا القلق بموقف معين، بل يكون مبهمًا، مستمرًا، ويصعب السيطرة عليه.

هل يمكن للانشغال أن يخفف القلق؟

قد يبدو الحل سطحيًا للوهلة الأولى، لكن إشغال الوقت ليس هروبًا من القلق بقدر ما هو إعادة توجيه للذهن. حينما يُترك العقل دون نشاط، يتحول بسهولة إلى “أرض خصبة” للأفكار المقلقة. أما حين يُشغل الإنسان نفسه بعملٍ منتج أو حتى بهواية بسيطة، يبدأ الذهن في التحول من وضعية الترقب والتوتر إلى وضعية التركيز والبناء.

كيف يُسهم إشغال الوقت في التخفيف من القلق؟

  1. كسر دائرة التفكير المفرغ:
    القلق يعزز التفكير الزائد، والتفكير الزائد يغذي القلق. أما الانشغال فيقطع هذه السلسلة المرهقة، ويمنح العقل فرصة للابتعاد عن المخاوف المتخيلة.

  2. الشعور بالتحكم والسيطرة:
    عندما ينجز الإنسان شيئًا – حتى وإن كان بسيطًا – يشعر بأن لديه قدرة على التأثير في يومه، ما يمنحه ثقة داخلية تقلل من هشاشة النفس أمام القلق.

  3. إفراز هرمونات الراحة:
    القيام بأنشطة كالمشي، التنظيف، الكتابة، أو الطهي يحفّز الجسم على إفراز الإندورفين، وهو هرمون طبيعي يُحسّن المزاج ويخفف التوتر.

  4. بناء عادة صحية على المدى البعيد:
    تحويل الانشغال إلى عادة يومية، حتى دون وجود قلق واضح، يعزز من نمط حياة أكثر توازنًا، ويجعل الأزمات النفسية أقل حدة.

أفكار لإشغال الوقت بطرق فعالة:

  • المشي في الهواء الطلق: حركة الجسد وتنفس الهواء النقي يهدئان الأعصاب.

  • ممارسة هواية قديمة أو تعلم جديدة: الرسم، العزف، الزراعة، أو حتى تعلم لغة.

  • العمل التطوعي: تقديم المساعدة للآخرين يُنعش الروح ويقلل الشعور بالوحدة.

  • تنظيم المنزل أو المكتب: بيئة مرتبة تعكس نظامًا داخليًا يساعد على الطمأنينة.

  • الكتابة اليومية (Journaling): طريقة فعالة لتفريغ الأفكار ومراقبة الذات.

ختامًا:

القلق ليس عيبًا، بل هو استجابة طبيعية لأحداث الحياة، لكن عندما يتحول إلى ظل دائم يُلقي بثقله على النفس، فلا بد من البحث عن منافذ للضوء. وليس بالضرورة أن تكون تلك المنافذ كبيرة أو معقدة. أحيانًا، يكفي أن تبدأ بتنظيف رف، أو سقي نبتة، أو كتابة سطر، لتبدأ رحلة التخفف.

إشغال الوقت ليس مجرد وسيلة للهروب من القلق، بل هو طريقة ذكية لتحويل الطاقة السلبية إلى إنتاج، والفوضى الداخلية إلى نظام. في النهاية، كل لحظة تُشغل فيها عقلك وقلبك بشيء مفيد، هي لحظة تُبعد فيها القلق خطوة أخرى عنك.

 

 

Leave a reply