
القلق العام: حين يخدعك العقل بأوهامٍ لا تحدث
يُعرَّف اضطراب القلق العام (Generalized Anxiety Disorder) بأنه حالة نفسية تتميز بشعور دائم ومبالغ فيه بالقلق والتوتر، دون وجود سبب واضح أو خطر حقيقي.
يعاني الشخص المصاب به من أفكار متكررة وسيناريوهات كارثية محتملة، تدور حول المستقبل أو الصحة أو العلاقات أو حتى تفاصيل الحياة اليومية البسيطة.
إنه قلق لا يهدأ، حتى حين يكون كل شيء على ما يرام.
في لحظات القلق العام، يبدو كل شيء وكأنه على وشك الانهيار.
العقل يصبح مسرحًا لسيناريوهات مرعبة، كلها تبدأ بكلمة “ماذا لو؟”
ماذا لو فشلت؟ ماذا لو مرضت؟ ماذا لو فقدت من أحب؟
لكن الحقيقة الصادمة والمُحرّرة في آن واحد هي أن أغلب ما يخيفك… لا يحدث أبدًا.
عقل القلق: مخرج بارع لأفلامٍ غير حقيقية
اضطراب القلق العام لا يحتاج إلى حدثٍ خارجي ليُشعل الخوف؛
إنه عقل مبدع في نسج القصص، يُحوّل الاحتمالات الصغيرة إلى كوارث مؤكدة.
تُصبح فكرة بسيطة مثل تأخر رسالة، دليلًا على خسارةٍ قادمة.
وتحوّل نظرة عابرة من شخصٍ ما إلى علامة على رفضٍ أو خطرٍ غير موجود.
لكن مع الوقت، يدرك المصاب أن معظم هذه “التحذيرات” لم تتحقق،
وأن الخطر الذي كان ينتظره لم يأتِ أبدًا.
القلق يجعل الإنسان يعيش في احتمالات مؤلمة أكثر من الواقع نفسه.
لماذا يختلق العقل هذه الأوهام؟
-
محاولة حماية زائدة:
الدماغ يريد أن يتأكد أن صاحبه آمن، فيتخيل أسوأ الاحتمالات حتى يتهيأ لها.
إنه نوع من “الوقاية المفرطة” التي تتحول إلى عذاب يومي. -
تجارب الماضي:
أحيانًا تكون الجروح القديمة مسؤولة عن هذا القلق؛
فيتوقع العقل تكرار الألم، حتى لو كانت الظروف مختلفة تمامًا. -
تشوه الإدراك:
القلق يجعل التفكير مشوشًا، فيُضخّم المواقف الصغيرة، ويشوّه النظرة إلى الذات والعالم.
التحقق: خطوة الخلاص الأولى
من المفيد أن تسأل نفسك عند كل موجة قلق:
“هل لدي دليل حقيقي على أن ما أخافه سيحدث؟ أم أني فقط أتخيله؟”
في أغلب الأحيان، لن تجد دليلاً واحدًا.
كل ما هناك هو فكرة متخيلة تحمل مشاعر حقيقية.
وما يميز الشخص الواعِي هو قدرته على التفرقة بين “الإحساس بالخطر” و“وجود الخطر فعلاً”.
الطمأنينة ليست غياب القلق… بل فهمه
لن يختفي القلق العام بين ليلة وضحاها،
لكنه يصبح أضعف عندما تتعلم أن لا تصدّق كل ما يقوله لك عقلك.
الفكرة ليست دائمًا حقيقة، والخوف ليس نبوءة.
حين تبدأ في التشكيك في أوهام القلق، تبدأ في استعادة حريتك الداخلية.
تأكد… أغلب ما تخافه لن يحدث
ربما أجمل حقيقة يمكن أن يعرفها من يعاني القلق هي هذه:
إن تسعة من كل عشرة أشياء تخيفك، لن تحدث أبدًا.
وحتى ذلك الواحد الذي يحدث، غالبًا يكون أقل قسوة مما تخيلت.
القلق العام يجعل العالم يبدو أخطر مما هو عليه،
لكن الحقيقة أن الخطر الأكبر هو تصديق الأوهام التي يخلقها القلق.
فكل مرة تختار فيها أن تقول لنفسك “هذا مجرد خوف، لا حقيقة”،
تأخذ خطوة صادقة نحو السلام الداخلي.